من مدينة ساحلية تقع فى شمال شرق مصر، حيث الطبيعة الخلابة والجو المنعش، والأحلام البريئة الوردية، تحلم طفلة صغيرة بممارسة هوايتها المُفضلة، وغير المعتادة على مجتمعنا الشرقى، ليُهاجمها الجميع ويقف أمامها الأهل «.. لأ.. عشان كلام الناس..».
لم تيأس أسماء على، ولم تنظر لحلمها بعين المستحيل وبعدما حملت حقيبتها على ظهرها من بورسعيد وتوجهت للقاهرة حيث المُجتمع الأوسع مُتقبل الاختلافات، هاربة من كلام الناس لا تعرف ماذا يُخبئ لها القدر.. وأنت تقرأ هذه السطور تكون بطلتها المصرية فى البُرتغال
القصة بدأت تحديدًا من حى الزهور من مدينة بورسعيد لفتاة تبلغ من العمر خمس سنوات، تعشق كرة القدم وتمارسها فى الشوارع والحوارى المُحيطة بها، إلى أن دقت ساعة القرار، لتقرر البحث عن حلمها خارج الحى والمدينة وتذهب لبنت المُعز، تقول أسماء، فى حوارها لـ«المصرى اليوم»: كان هذا فى ٢٠١٢، أتذكر جيدًا أول مكالمة أجريتها مع كابتن «محمد عايد» عايزة فرصة.. أنا ظروفى واحد، اتنين، وبالفعل ذهبت لنادى الطيران وخُضت معهم تمرينا وحيدا، لكن على الجانب الآخر كانت هناك حرب قوية بينى وبين الأهل لرفضهم القاطع فكرة استقرارى فى القاهرة والعيش وحدى.. وإلى نص الحوار:
■ متى كانت البداية؟
– حينما قررت أن أحمل حقيبتى فى الصباح الباكر دون علم أهلى، وأخبرتهم بعدها عندما هاتفونى بأننى ذهبت إلى القاهرة. كان عمرى وقتها ١٦ عامًا، لكن سرعان ما تبدل الأمر عندما علمت بأن النادى يمر بأزمة مالية كبيرة، ولن أحصل على أموال نظير الانضمام، وكنت قد أنفقت كل أموالى، لذلك كان من الصعب استمرارى. فاقترح عليّ الكابتن وقتها الذهاب إلى نادى وادى دجلة.
■ وماذا حدث بعدها؟
– من أول خمس دقائق فى الملعب لفتُّ نظر الموجودين فى الاختبارات، فطلب منى الكابتن محمد كمال الخروج، وبدأ يتحدث معى وسألنى عن عمرى، وعائلتى، ومحل إقامتى. ووقتها طلب منى توقيع العقود فى اليوم التالى، ومن هذا اليوم بدأت رحلتى مع الفريق إلى أن انتهت فى ٢٠٢٣. ومن اللقطات المؤثرة فى مسيرتى أنه بعد خوضى المباراة الثانية مع دجلة، تمكنت من الانضمام لمنتخب مصر.
■ متى بدأت تجربتك فى الاحتراف؟
– فى ٢٠٢٣ تلقيت عرضًا من نادى أحد السعودى، وذهبت فى رحلة احتراف استمرت لمدة عام. وبعد تجربة ممتعة هناك، تلقيت عرضًا احترافيًا من نادى ريو آفى البرتغالى. قبل احترافى فى الدورى السعودى، تلقيت عدة عروض من أندية مصرية كبيرة، مثل الأهلى والزمالك وغيرهما، لكن هدفى كان السفر، حلم العمر كما يقولون، لذلك فضلت الخروج. فى ثانى يوم لى فى البرتغال، تلقيت أكبر صدمة فى حياتى، وهى خبر وفاة والدتى. كانت الصدمة الأصعب والأقوى، فقدتُ القدرة على التفكير وقتها، وكنت محبطة، وكل شيء فجأة تغير. حاول النادى مساعدتى لتخطى الأزمة، واستعانوا باللاعب الدولى أحمد حسن كوكا، من باب أننا مصريون وسنفهم بعضنا بصورة أكبر وسنعرف كيف نتحدث معًا.
■ هل ساعدك كوكا على الخروج من أزمتك؟
– بالطبع، حينما جاءنى أخبرنى أنه مر بنفس الأزمة من قبل، وأنه يرى أننى تعبت كثيرًا حتى أصل إلى مكانى، ولابد من الاستمرار واستكمال مشوار الاحتراف. كما قال لى إنه من الأفضل أن أستمر، حتى لو خيّرنى النادى بين العودة إلى مصر أو الاستمرار. وبعدها، أصبح كل شيء جيدًا بفضل مساندته ودعمه، ودعم الأسرة. مررت بظروف كثيرة صعبة هكذا، وأتذكر أيضًا أننى تلقيت خبر وفاة والدى وأنا فى معسكر مع نادى وادى دجلة بالإسكندرية فى بطولة شمال إفريقيا. سافرت للعزاء، ثم عدت لمعسكر الفريق مرة أخرى وشاركت فى البطولة. الحياة ليست سهلة أو وردية، ولديَّ طموح بأن ألعب فى الدورى الإسبانى، والإيطالى، والفرنسى.
■ تجربة الاحتراف دائمًا ما تكون صعبة وشاقة على الرجال.. فهل تكون كذلك على الفتيات أيضًا؟
– الحقيقة أن مسألة الاحتراف بالنسبة للفتيات أصعب بكثير، وكانت الأجواء غريبة فى البدايات. لكن اللاعب الذى يصر على تحقيق شىء، ويكون على قدر المسؤولية، يستطيع التغلب على كل العقبات. بالنسبة لى، مع الدخول فى الأجواء، استطعت التأقلم مع الفريق.
■ هل افتقدتِ أجواء رمضان فى مصر.. حدّثينا أيضًا عن نظامك الغذائى؟
– أى لاعب خارج مصر، بلا شك، يفتقد الأجواء الرمضانية. أما بالنسبة لطعامى، فأنا لا أشرب المشروبات الغازية، وأتناول طعامًا صحيًا، ولا أتناول أى طعام من الخارج أو الأطعمة التى تحتوى على السكريات. كما أننى أفتقد أصدقائى وعائلتى فى رمضان.
■ فى بعض الأحيان يقولون إن لعب بعض الرياضات بالنسبة للإناث يقلل من فرصتهن فى تكوين أسرة.. ما مدى صحة ذلك فى وجهة نظرك؟
– غير صحيح، لدىّ أصدقاء متزوجون ولديهم أبناء، وهم قادرون على تنظيم وقتهم بين المنزل، والتمرين، واللعب. المسألة كلها اتفاق وتنظيم، نحن النساء قادرات على فعل كل شىء. وفى الغالب، تكون الأسرة والزوج عامل دعم وتحفيز لتحقيق النجاح.
■ كيف تغلبتِ على أزمة اللغة؟
– فى البداية، كانت اللغة عائقًا لأن الجميع هناك يتحدث البرتغالية، والمحاضرات تكون بهذه اللغة. لكن بعد ذلك، تمكنت من تعلم بعض الكلمات المستخدمة يوميًا، وسهّلت علىّ الأمر كثيرًا، وكل يوم أتعلم المزيد.
■ كيف كان شعورك فى أول يوم فى البرتغال؟
– فى أول يوم كنت سعيدة جدًا لأننى خطوت أول خطوة فى تحقيق شيء حلمت به منذ الصغر، لكن فى الوقت نفسه، كنت حزينة فى داخلى لأننى تركت أهلى وأصدقائى. ولكن عندما وصلت إلى هناك وخضت أول تمرين، بدأت أدخل فى الأجواء بشكل عام.
■ هل يعرف البرتغاليون شيئًا عن الأندية المصرية واللاعبين هنا؟
– نعم، كثير من المدربين البرتغاليين والجمهور يعرفون فرقًا مصرية مثل الأهلى والزمالك، بسبب الاستعانة بمدربين برتغاليين فى الدورى المصرى. كما يعرفون محمد صلاح بالطبع، لكنهم لا يعرفون عمر مرموش بعد، نظرًا لحداثة انتقاله إلى الدورى الإنجليزى.
■ من شجّعكِ على تجربة الاحتراف فى البرتغال؟
– إخوتى وأصدقائى هم أكثر من شجّعونى، وما زالوا يدعموننى بالاتصالات والرسائل لأكمل تجربتى، ويتواصلون معى بشكل مستمر. كان لهذا التشجيع والدعم أثر كبير فى استكمال تجربة الاحتراف، وهم فخورون بى جدًا الآن.
■ هل تفكرين فى التدريب كخطوة مستقبلية.. وما السبب الذى قد يجعلك تعودين إلى مصر؟
– فى الحقيقة، أريد البقاء هنا، والاحتراف، واللعب فى دوريات أكبر، وسأحقق أحلامى بإذن الله. مسألة عودتى تكاد تكون مستحيلة، فلا يوجد سبب يدفعنى إلى عدم استكمال رحلة احترافى. ولا أفكر فى التدريب مطلقًا حتى لا أظلم أحدًا من اللاعبين، لأن التدريب يتطلب قرارات مستمرة. أريد أن أقول إن التدريب والنظام فى البرتغال وأوروبا مختلفان كثيرًا عن النظام فى مصر، سواء فى طريقة اللعب، أو سرعة اللاعب، أو العقلية أيضًا. وأحد أكثر المواقف التى لن أنساها هو أننى مررت بفترة ظُلمت فيها من مدرب مصرى، حيث لم يكن يسمح لى بالمشاركة رغم أننى كنت جيدة جدًا فى تلك الفترة.
■ ما هو الاختلاف بين كرة القدم فى مصر والبرتغال؟
– الاختلاف كبير جدًا، ففى البرتغال، تتلقى تعليمات محددة فى التدريب والخطة، وعليك الالتزام بها كما هى. بينما فى مصر، هناك تدخلات من اللاعبين، مثل محاولة فرض الرأى على خطة اللعب أو التدريب. فى البرتغال، المدرب هو المدرب، واللاعب هو اللاعب، ولا يمكن لأى شخص التدخل فى اختصاصات الآخر.
■ ما هى المشكلة التى لمستِها خلال فترة احترافكِ؟
– المشكلة فى مصر تكمن فى عقلية اللاعب، فهى التى تفرق. فى البرتغال، يهتم اللاعب بكل التفاصيل، مثل نوع طعامه، ولياقته البدنية، وتدريبه. أما فى مصر، فاللاعبون ينقصهم الكثير من التفاصيل الصغيرة، فالأمر ليس مجرد الذهاب إلى التدريب، بل هو أسلوب حياة كامل كلاعب محترف. وللإنصاف، لدينا فى مصر لاعبون جيدون جدًا ومواهب يمكنها اللعب فى أقوى الدوريات الأوروبية، لكن ينقصهم تغيير العقلية.
■ ما هى أفضل لحظة عاشتها أسماء على فى تجربة الاحتراف؟
– أفضل لحظة عشتها فى حياتى هى عندما بدأت أرى حلمى يتحقق وأسافر للخارج بالفعل وأحترف فى دولة أوروبية، رغم الانتقادات الكبيرة التى تلقيتها فى بداية التجربة.
■ ما هو أصعب موقف حدث معك؟
– أصعب موقف حدث لى خلال فترة الاحتراف كان خبر وفاة والدتى، وكان قاسيًا علىّ بطريقة صعبة.
■ كيف ينظر البرتغاليون لأحمد حسن كوكا؟
– كوكا صنع تاريخًا هنا، والناس تتعامل معه على أساس أنه نجم كبير، والجميع يحبه. فى أى مكان، يعرفه الناس ويتصورون معه، وقد رأيت ذلك بعينى. هو محبوب جدًا، ووقت وفاة والدتى كان يحاول مساعدتى وإخراجى من حالة الحزن، وكان يدعونى إلى منزله كثيرًا. أتمنى فى حال عودته إلى مصر أن يلعب للأهلى لأنه أهلاوى. هو شخص جميل، ربنا يكرمه فى حياته.
■ مؤخرًا.. بدأ يزداد الاهتمام بالكرة النسائية فى مصر.. فهل اللعبة تسير فى الاتجاه الصحيح؟ وماذا تحتاج للتطور أكثر؟
– نعم، تسير بشكل أفضل بكثير، لكن أتمنى أن يكون لدينا دورى ومنتخب قوى، والمساواة فى الاهتمام بالكرة النسائية وإذاعة المباريات. هنا فى أوروبا، الكرة النسائية لا تختلف عن كرة الرجال، وتحظى بنفس الحضور فى المباريات والتشجيع. وبالنسبة للكرة النسائية فى مصر، فقد بدأ الوضع يتغير، وبدأنا نحقق تطورات جيدة، لكننا ما زلنا بحاجة إلى تسليط الإعلام الضوء على الكرة النسائية. نريد أن نرى أكثر من ١٥ فريقًا جيدًا يتنافس ويدعم المنتخب النسائى.
■ ما هى رسالتك لكل فتاة مصرية؟
– أريد أن أقول لكل فتاة تسعى لتحقيق حلمها أن تضع حلمها أمامها ولا تلتفت لكلام الناس المحبط، بل على العكس، يجب أن تكون الانتقادات حافزًا للوصول إلى الحلم، وليس العكس.
■ من نجمك المفضل فى الكرة والفن؟
– فى مصر، أحب أبوتريكة، وعالميًا اللاعب إبراهيموفيتش. أما من الفنانين، فأحب شيرين، وممثلى المفضل أحمد حلمى. للأسف، لم أشاهد دراما رمضان هذا العام بسبب ظروف التدريب والمباريات.