«ينطلق عمر النور في غفلة من مدافعى الأحمر، يقبل هدية الثعلب ويهز شباك مروان كنفانى، لاعبو الأهلى يندفعون إلى صبحى نصير وسط هتافات الجماهير (تسلل تسلل)، الحكم يؤكد صحة الهدف ويحذر اللاعبين، ليتحول الملعب إلى ساحة عنف بعد نزول جماهير الأهلى إلى أرض الملعب وفشل محاولات مدير الكرة علي زيوار للسيطرة على الموقف، ربما لأنها جاءت متأخرة ولم تشبه مبادرة الخطيب بعدها بسنوات، في إخماد تعصب ديربى 1983عندما أمسك بيد حسن شحاتة وذهب للمدرجين».
ستظل قمة الأهلى والزمالك التي لُعبت في 19 مارس 1966 وتم إلغاؤها عند الدقيقة 25 من الشوط الثانى، تمثل تحولًا كبيرًا في مسار قيمة المباراة لجماهير الناديين، فبعيدًا عن المظاهر السلبية للجماهير بداية من تبادل الهتافات المسيئة ونهاية بأعمال الشغب، إلا أنها برهنت على تشبع المؤازرين بفكرة «الديربى لا يقبل القسمة على اثنين»، وخسارة لقب أقل مرارة من العودة بهزيمة أمام الغريم، وهو ما وضع المباراة لاحقًا ضمن الأبرز في سجلات الديربيات العالمية.
ومثلت مواقف مباريات القمة خلال القرن الماضى والحقبة الأولى للقرن الحالى بسلبياتها وإيجابياتها، رصيدًا مميزًا لتطور قيمتها واستمرار تأثيرها كقوة ناعمة عربيًا وقاريًا، لتصبح المنتج الأبرز والأهم في تاريخ لعبتنا.
بعد قرابة 50 عاما، تعرضت القمة لتحديات مؤثرة، فيما يشبه تخفيض قيمة العملية المحلية «الجنيه»، مع فارق كون القرار الثانى يعود إلى حاجه اقتصادية ووفق برنامج إصلاحى، فيما جاء الأول نتيجة القرارات الإدارية العشوائية من جانب مسؤولى الناديين ومنظمى اللعبة في السنوات الأخيرة، والتى حرمت الجماهير من الاستمتاع بالبطولة الخاصة في 3 مناسبات.
امتلك ديربى القاهرة جميع الأدوات للمنافسة عالميًا والتأثير إقليميًا، ما دفع الكاتب نجيب المستكاوى إلى تصنيفه ضمن الأبرز عالميًا وتشبيهه بديربى ميلان في كتابه «الأهلى والزمالك»، والصادر في أوائل سبيعنيات القرن الماضى، فيما وضعته أعين الغرب بين القائمة القصيرة للأبرز عالميًا وآخرها «ذا صن» في يناير 2021.
ورغم طبيعة العصر خلال القرن الماضى، إلا أن القمة قدمت بوادر تسويقية جيدة من خلال العوائد المالية للمدرجات، فحققت قمة 23 ديسمبر 1973، 8870 جنيها بحضور 65 ألفًا، وفى موسم 85- 86 بلغ إيراد المباراة 61 ألف جنيه وهو رقم كبير نسبيًا، وواصلت الإيرادات الزحف حتى قمة 16 أبريل 2010 عندما حققت تذاكر المباراة مليونًا و300 ألف جنيه، بحسب ما أعلنه الزمالك وقتها على لسان المتحدث الرسمى علاء مقلد، وصمد الرقم أمام محاولات كسره بعدما لُعبت مباريات القمة بدون جمهور أو بحضور محدود عقب ثورة 2011.
بينما رأى الكاتب الصحفى صلاح منتصر في مقاله بـ«الأهرام الرياضى» 7 يناير 2009، أن الحالة الكروية وحزبى الأهلى والزمالك ازدادت قوة وإثارة في الستينيات لعدة عوامل، منها افتتاح استاد القاهرة الدولى 1960 وهو ما منح المباراة حضورًا جماهيريًا أكبر، وبداية الإرسال التليفزيونى 1961 ودخول المباريات إلى البيوت، إلى جانب ظهور قيادات الدولة في المشهد وتولى رئاسة الأندية أو دعمها.
مثّل إرث القمة الركيزة الأكبر في استمرار ريادتها كرويًا على صعيد المنطقة العربية، بينما ظهرت تحديات جديدة في السنوات الأخيرة، داخليًا متمثلة في غياب التأثير الجماهيرى نظرًا لتحديد السعة، والأزمات المتعلقة بالتنظيم إلى جانب عدم إقامتها في 4 مناسبات خلال 5 سنوات فقط.
ازدادت مرارة الانسحابات مع الجدل الدائر حول أسبابها، والتى كشفت بشكل كبير عن معاناة تنظيمية للكرة المصرية بشكل عام، وما يتعلق بتجهيز مباراة القمة بشكل خاص.
في 2020 رفض الزمالك خوض المباراة بعد رفض الأبيض المشاركة اعتراضًا على مواعيد المباريات، لينتهى الأمر بمشهد سلبى عنوانه «الأتوبيس متعطل».
وكرر الزمالك غيابه عن الموعد الكبير برفض خوض مواجهة السوبر المصرى في الإمارات 2023، احتجاجًا على مشاركة اللاعب محمود عبدالمنعم كهربا، ليتم خوض المباراة بنادى بيراميدز.
كما أصيبت القمة 128 بنفس الداء، عندما غاب الزمالك للمرة الثالثة معللًا قراره بالظروف القهرية وغياب تكافؤ الفرص الذي ترسيه قواعد ومبادئ كرة القدم.
فيما كان الغياب الرابع من نصيب الأهلى خلال القمة الأخيرة، اعتراضًا على إسناد المواجهة لطاقم حكام مصرى.
وتتمثل التحديات الخارجية في صعود الدوريات الخليجية، وأبرزها دورى روشن السعودى الذي نجح في ضم عدد كبير من نجوم الساحرة المستديرة في العالم، وهو ما وضع قيمة القمة المصرية في محل قياس مع التغييرات الأخيرة.
عمرو الشوبكى
يرى عمرو الشوبكى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الحضور الجماهيرى الكامل للمباريات هو الضمانة الأساسية لاستمرار قيمة القمة والحفاظ عليها كقوة ناعمة مؤثرة في الوطن العربى، مشيرًا إلى أن تجربة إقامة المباراة في السعودية والإمارات أعطت دلالة واضحة بأن التجهيز بشكل جيد للمباراة يضمن خروج منتج رائع حتى وإن تراجع المستوى الفنى على أرض الملعب.
ويؤكد الشوبكى أن تطور المسابقات الكروية المحلية في البلدان العربية برفع الميزانية المالية واستقطاب نجوم الصف الأول عالميًا، لن يؤثر على شعبية القمة وقيمتها كقوة ناعمة، على المستوى القريب، فالذكريات والتاريخ الرياضى عامل مرجح، ولكنه يجب التعامل معه كجرس إنذار.
كما طالب الشوبكى بضرورة استثمار تاريخ القمة وريادة الكرة المصرية العربية في تحقيق عوائد اقتصادية وانتشار تسويقى وتليفزيونى إفريقيًا وعربيًا، مضيفًا: «الأمر يحتاج إلى التنظيم الجيد وتحقيق الانضباط ومحاسبة المسؤولين»، مضيفًا: «يكفى أن الخليج والمنطقة العربية لديهم ميول كروية للقطبين، وهو ما يصعب على أي دورى تحقيقه لأنه جاء بعد سنوات طويلة من التأثير».
ويتفق عبدالرحمن الشويخ، المحلل الاقتصادى لقطاع الرياضية باقتصاد الشرق مع بلومبرج، في أهمية العامل الجماهيرى، معتبرا أن القمة المصرية تعانى من أزمات قصيرة المدى ومشكلات كبيرة تستوجب حلا جذريا يمتد للنشاط الكروى بالكامل، وفى المقدمة عدم معرفة مواعيد القمة قبل انطلاق الموسم نظرا لتأثير عامل التوقيت تسويقيًا وجماهيريًا والقدرة على تفادى المشكلات واعتراضات الأندية، ومنها اختيارات الطواقم التحكيمية، إلى جانب تجهيز وتطوير الملاعب.
ويؤكد الشويخ أن مواجهات القمة تمتلك فرصًا ذهبية لتحقيق عوائد استثنائية ماليًا بالنظر إلى حجم التأثير والمتابعة الجماهيرية والخلفيات التاريخية، مطالبًا في الوقت نفسه بإعادة النظر في قواعد توزيع البث التليفزيونى والاستفادة من التجارب الخارجية، لفتح الباب أمام تحول المواجهات الكلاسيكية إلى «قمة مشابهة» ومنح الأندية الأخرى فرصة تحسين أوضاعها وهو ما سينعكس إيجابيًا على المنافسة.
واعتبر الشويخ أن المسابقات المحلية يتم تسويقها من باب المباريات الكبيرة، خاصة الأهلى والزمالك، فالمعلن يقبل برقم كبير لجميع المباريات أملًا في تحقيق العوائد من مواجهتى الأهلى والزمالك وتغطية تراجع إيرادات المباريات الأخرى.
وأشار إلى أنه يمكن القياس من خلال العقوبات المالية الموقعة ضد الأهلى لتسببه في خسائر التشغيل والإعلانات من وراء عدم إقامة القمة الأخيرة، والتى قدرتها رابطة الأندية المحترفة برقم يتراوح بين 170 مليونًا جنيه إلى 200 مليون.
ويتفق الشويخ مع الشوبكى في ضرورة البحث عن مساحات جديدة للتسويق التليفزيونى، مشيرًا إلى الفرص الواعدة على شاشات الدول الخليجية حتى وإن بدأ الأمر بنسبة من عوائد الإعلانات، مدللا بحجم عمليات البحث عن المباراة في محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعى والمشاهدات على المنصات الرقمية الناقلة للمواجهة، كحافز إضافى للتسويق.
وحذر الشويخ من «تشبع الإدارات» تسويقيا بالوضع الحالى بشقيه، الرعاية التجارية من بيع القمصان والإعلانات حول الملعب، والتى منحت الأهلى 660 مليون جنيه موسميًا بفارق كبير عن الزمالك، أو البث التليفزيونى الذي يتم بيعه بالتفاوض وهو ما يفوت فرص منح الأندية قيمة مستحقة، معتبرًا أن النموذج الإسبانى هو الأنسب للتطبيق في مصر، مضيفًا: «الأهلى حقق نحو مليار و175 مليون جنيه من عوائد كرة القدم مقابل 440 مليونا في الزمالك، وهى أرقام مرشحة لزيادة كبيرة بالقياس إلى حجم الجماهيرية».
يعود الشوبكى والشويخ للتأكيد على أن الفوارق بين القمة المصرية والديربيات الصاعدة في المنطقة العربية، خاصة بالدورى السعودى، مازالت لصالح القاهرة، واستمرار تراجع قيمة القمة نسبيا لا يعود إلى حجم التطور في الإخراج بقدر ما يتعلق بأزمات اللعبة داخليا والمتمثلة في عدم انتظام المسابقة وعدم القدرة على وضع موعد القمة قبل بداية الموسم لتعزيز فرص استثمارها تسويقيا وجماهيريا.
وأضاف: «مهمة الحفاظ على قيمة القمة المصرية التي حصدت المركز السادس عالميا قبل 2010 مضاعفة، نظرًا لكونه الديربى الأوحد محليا الذي يحظى بمتابعة خارجية بينما تمتلك السعودية عدة ديربيات».
واعتبر الشوبكى أن السعة الكاملة لمدرجات مباريات القمة كفيلة بضمان نجاحها حتى وإن تراجع المستوى الفنى، فيما يؤكد الشويخ على ضرورة تحديث وصيانة الملاعب بشكل دورى، مع منح مؤسسات ولجان إدارة اللعبة الصلاحيات الكاملة، معتبرا أن الرابطة الحالية ظهرت بمسمى يشبه نظيرتها في الخارج، ولكن دون لوائح ونظام عمل مشابه.
ولا يختلف كمال درويش، رئيس نادى الزمالك الأسبق، حول أسباب معاناة القمة المصرية خلال السنوات الأخيرة، ولكنه يذهب إلى تحميل إدارتى الناديين المسؤولية الأكبر في إضاعة فرص النمو التسويقى والاستثمارى بشكل أكبر.
وأوضح أن مجالس الإدارة لا تدير من أجل الاستثمار ولا تعمل بشكل احترافى، معتبرا أنه يجب إعادة النظر لمباريات القمة تسويقيا وإقامتها خارج الإطار الرسمى كمباريات تجريبية خلال فترات الإعداد، مضيفا: «الدوريات من حولنا ستستمر في الصعود، وهو ما يستوجب ضرورة وضع تصور كامل للتطور».