في أحياء «الفافيلا» الأكثر فقرًا في البرازيل، وتحديدًا في مدينة بورتو أليجري، التي يقطنها أحفاد ضحايا العبودية والوافدون إلى بلاد «السامبا»، وُلد رافاييل دياز بيلولي، المعروف بـ«رافينيا»، لأبٍ من أصول إيطالية وأمٍ برازيلية مختلطة الأعراق. نشأ في حي ريستينجا، الواقع تحت سيطرة المافيا وعصابات المخدرات.

واجه رافينيا، الذي يُشعل اليوم الملاعب الأوروبية بأهدافه ومهاراته الاستثنائية، طفولةً صعبة؛ إذ كان يشارك غرفة نوم واحدة مع والديه وشقيقه الأصغر وحيواناته الأليفة، وفي بعض الأحيان، كان يُضطر إلى التسوّل للحصول على الطعام.

تخيّل أن نجم برشلونة الأول هذا الموسم، كاد أن يفقد حياته وهو في السابعة عشرة من عمره، بعدما رُفض من جميع الأكاديميات الكروية، ولم يبقَ أمامه سوى «فارزيا»، التي لم تكن بطولة عادية، بل ساحة تحكمها المافيا، حيث تعني الخسارة أنك قد لا تعود حيًا إلى أسرتك.

رافينيا، ابن الشوارع البرازيلية، قالها بصدق: «اللعب في فارزيا كان يعني الركض من أجل الحياة، تحت أنظار مسلحين، وفي ملاعب لا تعرف الرحمة. كل لمسة، كل تمريرة، كانت قرارًا مصيريًا بين البقاء والنهاية. لكنها كانت فرصتي الأخيرة، التي غيّرت مجرى حياتي للأفضل».

رافينيا لم يهرب، ولم ينكسر، بل قاتل في مواجهة مصيره، وركض كأن العالم على كتفيه، من أجل أسرته ومستقبلٍ أفضل. وفي سن التاسعة عشرة، وقّع مع نادي فيتوريا جيماريش البرتغالي، ومن هناك بدأت رحلته الحقيقية.

رافينيا

ثم انضم لاحقًا إلى سبورتينج لشبونة، ومنها إلى رين الفرنسي، وقاده أداؤه المميز إلى نادي ليدز يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز عام 2020، حيث أظهر موهبته على المستوى العالمي. وفي عام 2022، انتقل إلى نادي برشلونة الإسباني.

فليك والتحول في برشلونة

خطف رافينيا الأنظار هذا الموسم مع برشلونة، وأصبح عنصرًا لا غنى عنه في الفريق بقيادة المدرب الألماني هانزي فليك، إذ سجل 30 هدفًا وقدّم 25 تمريرة حاسمة في 50 مباراة بجميع البطولات.

وفي مقابلة مع مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية، عبّر رافينيا عن سعادته باللعب لبرشلونة بعدما أصبح أحد قادة الفريق، متمنيًا الفوز بدوري أبطال أوروبا.

استعرض لاعب ليدز يونايتد السابق مسيرته وطموحاته، مؤكدًا أنه يستمتع بحاضره، وأن فليك لعب دورًا رئيسيًا في ذلك، دون أن ينسى الإشادة بالمدرب السابق تشافي هيرنانديز.

دور فليك في تألق رافينيا

قال رافينيا صاحب الـ 28 ربيعًا: «عندما تم الإعلان عن وصول فليك رسميًا، اتصل بي وأخبرني أنني من اللاعبين الذين يعتمد عليهم، رغم أنه لم يعرفني عن قرب أو يشاهدني في التدريبات».

وأشار إلى أن ذلك كان مهمًا جدًا في قراري بالبقاء، وساعدني على العمل بهدوء تام للوصول إلى أفضل مستوى. كنت أعلم أنني سأكون لاعبًا مهمًا للفريق في المرحلة المقبلة.

أما عن تشافي، فقال اللاعب البرازيلي: «رغم الشائعات الكثيرة التي أحاطت برحيلي في الموسم الماضي، كان يخبرني دائمًا أنه يعتمد عليّ. لولاه، لما ارتديت هذا القميص الذي طالما حلمت بارتدائه. كان مقتنعًا بأنني سأصبح لاعبًا مهمًا من خلال العمل الجاد».

وكشف رافينيا عن بعض العوامل التي ساعدته على التألق، مشيرًا إلى أن الجانب النفسي هو المفتاح لإظهار أفضل أداء، وقال: «أعمل كثيرًا على الجانب الذهني لاستعادة الهدوء والثقة اللازمين للقيام بالأمور بشكل جيد».

مسؤولية قيادة برشلونة

يرى النجم البرازيلي أن منحه شارة القيادة في برشلونة زاد من المسؤولية الملقاة على عاتقه، ومنحه دورًا مختلفًا داخل غرفة تبديل الملابس.

قال في هذا السياق: «يتعين على القائد أن يقاتل بأفضل ما في الكلمة من معنى من أجل النادي، ومن أجل القميص الذي يرتديه، ومن أجل زملائه. يجب عليه أن يسعى للتميّز، وأن يساعد اللاعبين الشباب والمخضرمين، ويتعلّم منهم أيضًا».

عاد رافينيا إلى الماضي متذكرًا معاناته في حي ريستينجا الفقير، وأوضح أن تلك النشأة كانت قاسية، لكنه يرى أن ما وصل إليه اليوم يعود إلى ما مر به في مجتمعه.

وقال: «النشأة في الفافيلا دائمًا ما تكون معقدة. الناس هناك يواجهون صعوبات اقتصادية وفرصًا قليلة للخروج من واقعهم، لكن النجاح وسط هذه الظروف له طعم مختلف. أشعر بالفخر لكتابة قصة جميلة».

وختم: «طفولتي في حي ريستينجا الفقير جعلتني أنمو شخصيًا ومهنيًا. أكثر ما أتذكره هو مباريات كرة القدم مع أصدقائي وأبناء عمومتي، والوقت الذي قضيته مع أجدادي وعائلتي أيام الأحد».

اليوم، أصبح ابن الشوارع البرازيلية من أبرز اللاعبين على الساحة الكروية، لكنه لم ينسَ الماضي. ويردد دائمًا في لقاءاته: «إذا لعبت في فارزيا، فلن تشعر بالضغط في أي مكان آخر في العالم».

هذه ليست مجرد قصة لاعب كرة قدم، بل قصة رجل صاغته المحن، وحوّلته من ضحية محتملة إلى نجم لا يعرف الخوف.

ذات صلة