فى عالم الرياضة، هناك من يمضى طريقه بخطى هادئة، وهناك من يصنع المجد من رحم التحديات.. ومن بين هؤلاء تبرز سمر حمزة، البطلة المصرية التى قررت أن تخرج من إطار المألوف، وتكتب قصة نجاح لا تشبه سواها.. لم تأتِ نجوميتها مصادفةً، ولم يكن طريقها مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالعقبات والتحديات، سواء داخل الحلبة أو خارجها.
وُلدت سمر حمزة فى ٤ أبريل عام ١٩٩٥، بمحافظة الإسكندرية، وبدأت رحلتها مع الرياضة فى سن الثالثة عشرة، مدفوعة بحماس والدتها التى رغبت فى رؤيتها على منصات التتويج، ودفعتها نحو عالم الكاراتيه. لكن المفارقة أن سمر لم تجد نفسها فى تلك الرياضة، ليس لضعف أو قلة فى الموهبة، بل بسبب «عنفها الزائد» كما تصف ذلك، مما دفعها للبحث عن ساحة أخرى تناسب شخصيتها القتالية… وكانت تلك الساحة هى «المصارعة».
منذ اللحظة التى دخلت فيها عالم المصارعة، أدركت سمر أن هذه اللعبة لا تتطلب فقط قوة جسدية، بل صلابة نفسية، وعقلية حديدية قادرة على مواجهة التحديات ومواصلة المشوار فى ظل ظروف قد لا تكون دومًا مثالية. وقد كان قرارها بالاستمرار فى هذه الرياضة رغم كونها لعبة «غير مألوفة» للفتيات فى المجتمع المصرى، نابعًا من قناعة راسخة بقدرتها على التميز فيها، وهو ما حدث بالفعل.
استطاعت سمر أن تخطو بخطى واثقة نحو البطولات العالمية، لتصبح خلال سنوات قليلة من أبرز المصارعات ليس فقط على المستوى المحلى، بل القارى والعالمى أيضًا.
فقد حصدت أول ميدالية لها فى بطولة العالم للكبار عام ٢٠٢١، ثم عادت لتثبت أن إنجازها لم يكن صدفة بإحرازها ميدالية برونزية فى بطولة العالم ٢٠٢٢، مؤكدة للجميع تفوقها ومكانتها العالمية.
الإنجاز الأبرز فى مسيرتها حتى الآن، والذى يراه الجميع، هو تصدّرها التصنيف العالمى، لتصبح أول فتاة مصرية وعربية وإفريقية تحقق هذا الإنجاز فى المصارعة على الإطلاق.
ولكن الإنجازات لا تأتى وحدها، فهى تحمل فى طياتها الكثير من التضحيات. فخلال مشوارها الرياضى، واجهت سمر إصابات، ضغوطات، وفترات من الإحباط، كان أصعبها إصابتها فى الركبة وإجرائها عملية معقدة، تزامنت مع اكتشافها لحملها فى طفلها الأول، وهو ما وضعها أمام تحدٍ مزدوج: الأمومة والعودة للحلبة فى أفضل صورة.
ومع كل هذا، لم تغب سمر عن الحلم الأكبر الذى لا يزال يراودها حتى اليوم: ميدالية أولمبية باسم مصر فى لعبة المصارعة.
هى اليوم نموذج ملهم لكل فتاة تحلم بكسر الصورة النمطية، وتحقيق ذاتها فى رياضة قد يعتبرها البعض «للرجال فقط».
برسالة واضحة وبصوت قوى، تؤكد سمر أن لا شيء مستحيلًا طالما وُجِد الإصرار والدعم، وأن البطلات يُصنعن من داخل الحلبات… ومن قلب الحياة أيضًا.
وفى هذا الحوار الخاص، تفتح سمر حمزة قلبها لـ«المصرى اليوم» لتروى رحلتها، وتحكى عن التحديات، والدعم، وطموحات ما بعد الأمومة، وأحلام الأولمبياد التى لم تغب يومًا عن بالها، فإلى تفاصيل الحوار:
■ بعد هذه الفترة من الانقطاع، كيف تشعرين حيال العودة مجددًا إلى التدريبات؟
– طبعًا، الفترة اللى أنا قعدتها دى، مش بإرادتى، كانت بسبب إنى عملت عملية رباط داخلى، والموضوع تطور وبقى أمامى عملية داخلية، وفى نفس الوقت، وأنا بعمل العملية اكتشفت إنى حامل فى شهرين، فدخلت عملت عملية الرباط بالإضافة إلى الحمل.
فكانت فترة بالنسبة لى، يعنى على قد ما هى صعبة جدًا، على قد ما هى كانت ممتعة، لأنى حرفيًا قبلها ما كنتش بريح خالص من التمرين، وكنت على طول أعانى من المشاركة فى بطولة ورا بطولة، فما كنتش باخد وقت راحة خالص.
فهى بالنسبة لى فترة هتدينى دافع لقدام، وفى نفس الوقت كنت شايفة الموضوع من بره أكتر غير من جوه التمرين، لكن هرجع للتدريب وكل حاجة عشان البطولات، والفترة القادمة هشتغل على نفسى جدًا.
■ ما هى التحديات التى تتوقعين مواجهتها؟
– أنا دائمًا أتحدى نفسى، يعنى أكتر حاجة بحطها قدامى غير هدفى وأنا عايزة أوصل لإيه، تحديات طبعًا، أنا طالعة من عملية ومعايا طفل، ودى هتكون أول تجربة لى كأم وأنا داخل الرياضة، وفى نفس الوقت هنزل تمرين ومعايا مولود صغير، أكيد مسؤولية أكبر عليا وتحدى أكبر إنى لازم أثبت لنفسى إنى أؤدى اللى أنا نازلة أعمله.
■ الكثير من البطلات العالميات عدن للمنافسات بعد الولادة وحققن إنجازات. فهل تعتبرين ذلك مصدر إلهام لكِ؟
– طبعًا، ما فيش حد فى مصر فى لعبتى حصل معاه نفس اللى حصل معايا فى الحقيقة، أن ينزل التدريب فى لعبة المصارعة النسائية ومعاه مولود جديد.
وفى لعبتى بالذات، فدى حاجة جديدة، وحاجة تحدى برضه هيبقى جامد جدًا بالنسبالى.
طبعًا برّا مصر دى حاجة مختلفة خالص، فدائمًا بنبص للناس اللى مستواهم أعلى علينا عشان نقدر نحقق حاجة مهمة فى اللعبة.
■ ما هى رؤيتكِ لمستقبلكِ الرياضى بعد الأمومة؟
– والله لسه، أنا عندى حماسة كبيرة جدًا إنى أشوف نفسى هبقى عاملة إزاى أكتر من الناس.
يعنى فى ناس كتير قوى مستنية تشوف سمر هتبقى عاملة إزاى بعد المولود الجديد والعملية، وكده، بس الفضول عندى أنا أكتر من الناس اللى برّه يعنى.
■ هل وضعتِ جدولًا زمنيًا محددًا للعودة إلى المنافسات الرسمية؟
– وضعت جدول العودة ممكن على آخر السنة أو أول السنة الجديدة بإذن الله.
أول بطولات لسه مش محددة بالضبط عشان أشارك فى أى بطولة دولية، على حسب مستواى وقتها، هبدأ أقرر أى بطولة هشارك فيها.
■ ما هى أول البطولات التى تتطلعين للمشاركة فيها؟
– أشوف نفسى هبقى عاملة إزاى أكتر من الناس.
يعنى فى ناس كتير قوى مستنية تشوف سمر هتبقى عاملة إزاى بعد المولود الجديد والعملية، وكده، بس الفضول عندى أنا أكتر من الناس اللى بره يعنى.
بس هدفى: الأولمبياد.
■ هل هناك أى تعديلات فى برنامجكِ التدريبى الحالى ليناسب وضعكِ بعد الولادة؟
– طبعًا، عندى برنامج وبتابع فيه باستمرار، كل حاجة اتغيرت، لأن كل حاجة عنى أنا شخصيًا اتغيرت عن زمان، فالتدريب بعد الولادة هيكون أكيد غير قبل الولادة.
الأول كنت كل حاجة، دلوقت لازم أعدل بين الجهتين، وهبدأ أكيد فترة إعداد الأول، وبعدها هشتغل على التدريب عشان أكون مستعدة للمنافسات، وكل حاجة هتكون ليها مرحلتها، لكن الأكيد: كل حاجة هتتغير عن الأول.
■ ما هو الدعم الذى تتلقينه من الجهاز الفنى والاتحاد؟
– والله، هو الاتحاد دائمًا بيبقى واثق فيا، وأنا طبعًا ببقى، الحمد لله، قد التحدى والمسؤولية اللى كل الناس منتظرانى أقدمه.
وكل الناس تشجعنى على الرجوع، مؤمنين بيا، وواثقين إنى هرجع أحسن من الأول.
■ راودت الكثير من الجماهير تساؤلات حول مستقبلكِ الرياضى بعد الحمل والولادة. هل فكرتِ يومًا فى الاعتزال؟
– لا طبعًا، أنا ما فكرتش فى إنى هبطل لعب دلوقتى، طبعًا غير لما أحقق اللى فى نفسى.
أنا شاركت فى بطولة العالم كأول بنت فى بطولة العالم للكبار، وحصلت على ميداليتين، وتصدرت التصنيف العالمى سنتين.
فحلمى إنى أجيب ميدالية فى الأولمبياد. دى الحاجة الوحيدة اللى أنا نفسى أعملها.
فى اللعبة بتاعتى، عملت كل حاجة، إلا الحاجة دى: إنى آخد ميدالية فى الأولمبياد.
وإن شاء الله أكون عاملة توازن بين دورى كأم، وبين تحقيق حلمى: حلم الأولمبياد.
■ تُعتبرين من أبرز لاعبات المصارعة فى مصر، وهناك تطلعات كبيرة لمشاركتكِ فى أولمبياد لوس أنجلوس ٢٠٢٨. هل هذا الهدف لا يزال قائمًا بالنسبة لكِ؟
– أنا راجعة عشان أولمبياد ٢٠٢٨، طبعًا بتمرن عشانها، وإن شاء الله بإذن الله أنا حاسة إنى هعمل المرة دى نتيجة كويسة، أنا دلوقتى بدأت تمرين خفيف.
■ ما هى خطتك حتى أولمبياد لوس أنجلوس؟
– بعد العملية وبعد الولادة أمارس تأهيل لجسمى ولذهنى إزاى هاخد كل ده، وأنا طبعًا لازم أبدأ تدريباتى بعدد أشياء فى الأول، شغل فتنس وبعد كده بقى هاخد بقى تدريبات المصارعة إن شاء الله، قدامى شهرين كده بالكتير، بإذن الله.
■ ما هى أهم المحطات والإنجازات فى مسيرتكِ الرياضية حتى الآن؟
– أهم المحطات والإنجازات حصولى على ميداليتين فى بطولة العالم كبار ٢٠٢١ وبرونز ٢٠٢٢، أهم إنجاز فى حياتى، كما تصدرت التصنيف العالمى كأول بنت فى المصارعة، وعمومًا محدش تصدَّر التصنيف العالمى، لا فى قارة أفريقيا ولا بين العرب خالص، فأنا أول لاعبة، الحمد لله.
■ من هو الداعم الأكبر لكِ فى رحلتكِ الرياضية؟ وما هى رسالتكِ للاعبات الشابات والأمهات اللاتى يطمحن لتحقيق النجاح فى المجال الرياضى؟
– الداعم الأكبر ليا فى رحلتى الرياضية زوجى، ربنا يخليه لى، يا رب. فهو مساند ليا على طول، ودائمًا لما بحس باليأس هو بيقول لى: «أنتِ هتقدرى، وأنا واثق فيكِ»، ودائمًا بيطلع فعلًا كلامه، هو الحاجة الوحيدة اللى بتخلينى أواصل فى الرياضة.
■ أما رسالتى للاعبات، إن أنا أى حد حاسس بحاجة ومؤمن بيها، أكيد هيوصل لها طالما هو حاسس بيها، ربنا زرعها فيه، فأكيد ربنا لا يضع إحساس جوانا إلا لما يكون إحنا قده.
– مين أكتر حد دعمك فى الفترة الصعبة بعد الولادة؟
– زوجى هو الداعم والسند، لسه والدة بيبى صغير، ولادته كانت يوم ١٦/٢، فلسه مش عارفة الدنيا ماشية إزاى والله، هشوف مين اللى هيقدم الدعم ليا الفترة المقبلة.
■ كيف ترين مستقبل المصارعة النسائية فى مصر بعد تجربتك؟
– المصارعة النسائية فى مصر اتطورت كتير عن زمان، من زمان ما كانش فى بنات بتسافر، ما كانش فى بنات بتلعب، بس أعتقد دلوقتى، يعنى فيه بنات وشباب كويسين.
■ ما الرسالة التى تحبين توجهيها للبنات الراغبات فى دخول مجال الرياضة «الصعبة» لكن مترددات؟
– بلاش أنا فى موضوع إنى أوجه حد، لأنى طبعًا عايزة كل الناس تلعب مصارعة، كل الناس عايزاهم يبقوا شايفين لعبتى أحسن الألعاب، دائمًا الناس شايفة إن المصارعة دى بتاعت ولاد، بس الحمد لله أظن مسيرتى عملت نتائج، وبرضه عشت حياتى الأسرية، برضه اتجوزت وجبت بيبى وراجعة تانى، فده يعنى حاجة بالنسبة لى أنا، المفروض إنهم شافونى، المصارعة دى حاجة عادية برضه، مش زى ما الناس فاكرة إنها صعبة.
■ ما رأيكِ فى الكرة النسائية، وهل لو كانت ظهرت مبكرًا كنتِ أصبحت لاعبة فيها؟
– فى الحقيقة أنا كـ «سمر»، ما ليش فى كرة القدم خالص، بس أى لعبة تكون للسيدات، أنا بشجعها على طول.